responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 26  صفحه : 233
مِنْهُمْ قَوْمٌ فَصَارُوا بَصِيرِينَ وَطَرِيقَتُهُمْ كَالنُّورِ فَقَالَ وَمَا يَسْتَوِي مَنْ كَانَ قَبْلَ الْبَعْثِ عَلَى الْكُفْرِ وَمَنِ اهْتَدَى بَعْدَهُ إِلَى الْإِيمَانِ، فَلَمَّا كَانَ الْكُفْرُ قَبْلَ الْإِيمَانِ فِي زَمَانِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَالْكَافِرُ قَبْلَ الْمُؤْمِنِ قَدَّمَ الْمُقَدَّمَ، ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ الْمَآلَ وَالْمَرْجِعَ قَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالرَّحْمَةِ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْغَضَبِ لِقَوْلِهِ فِي الْإِلَهِيَّاتِ سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي، ثُمَّ إِنَّ الْكَافِرَ الْمُصِرَّ بَعْدَ الْبَعْثَةِ صَارَ أَضَلَّ مِنَ الْأَعْمَى وَشَابَهَ الْأَمْوَاتَ فِي عَدَمِ إِدْرَاكِ الْحَقِّ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَقَالَ: وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ أَيِ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَالْأَمْوَاتُ الَّذِينَ تُلِيَتْ عَلَيْهِمُ الْآيَاتُ الْبَيِّنَاتُ، وَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِهَا وَهَؤُلَاءِ كَانُوا بَعْدَ إِيمَانِ مَنْ آمَنَ فَأَخَّرَهُمْ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ لِوُجُودِ حَيَاةِ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَ مَمَاتِ الْكَافِرِينَ الْمُعَانِدِينَ، وَقَدَّمَ الْأَعْمَى عَلَى الْبَصِيرِ لِوُجُودِ الْكُفَّارِ الضَّالِّينَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الْمُهْتَدِينَ بَعْدَهَا.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: فَإِنْ قُلْتَ قَابَلَ الْأَعْمَى بِالْبَصِيرِ بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ وَكَذَلِكَ الظِّلُّ بِالْحَرُورِ وَقَابَلَ الْأَحْيَاءَ بِالْأَمْوَاتِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَقَابَلَ الظُّلُمَاتِ بِالنُّورِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فِي أَحَدِهِمَا وَالْوَاحِدِ فِي الْآخَرِ، فَهَلْ تَعْرِفُ فِيهِ حِكْمَةً؟ قُلْتُ: نَعَمْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَهِدَايَتِهِ، أَمَّا فِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ وَالظِّلِّ وَالْحَرُورِ، فَلِأَنَّهُ قَابَلَ الْجِنْسَ بِالْجِنْسِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْأَفْرَادَ لِأَنَّ فِي الْعُمْيَانِ (وَأُولِي الْأَبْصَارِ قَدْ يُوجَدُ فَرْدٌ مِنْ أَحَدِ الْجِنْسَيْنِ يُسَاوِي فَرْدًا مِنَ الْجِنْسِ الْآخَرِ كَالْبَصِيرِ الْغَرِيبِ فِي مَوْضِعٍ وَالْأَعْمَى الَّذِي هُوَ تَرْبِيَةُ ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَقَدْ يَقْدِرُ الْأَعْمَى عَلَى الْوُصُولِ إِلَى مَقْصِدٍ وَلَا يَقْدِرُ الْبَصِيرُ عَلَيْهِ، أَوْ يَكُونُ الْأَعْمَى عِنْدَهُ مِنَ الذَّكَاءِ مَا يُسَاوِي بِهِ الْبَلِيدَ الْبَصِيرَ، فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا فِي الْجِنْسَيْنِ مَقْطُوعٌ بِهِ فَإِنَّ جِنْسَ الْبَصِيرِ خَيْرٌ مِنْ جِنْسِ الْأَعْمَى، وَأَمَّا الْأَحْيَاءُ وَالْأَمْوَاتُ فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ، إِذْ مَا مِنْ مَيِّتٍ يُسَاوِي فِي الْإِدْرَاكِ حَيًّا مِنَ الْأَحْيَاءِ، فَذَكَرَ أَنَّ الْأَحْيَاءَ لَا يُسَاوُونَ الْأَمْوَاتَ سَوَاءٌ قَابَلْتَ الْجِنْسَ بِالْجِنْسِ أَوْ قَابَلْتَ الْفَرْدَ بِالْفَرْدِ، وَأَمَّا الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ فَالْحَقُّ وَاحِدٌ وَهُوَ التَّوْحِيدُ وَالْبَاطِلُ كَثِيرٌ وَهُوَ طَرْقُ الْإِشْرَاكِ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَبَعْضَهُمُ النَّارَ وَبَعْضَهُمُ الْأَصْنَامَ الَّتِي هِيَ عَلَى صُورَةِ الْمَلَائِكَةِ، وَإِلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَفْرَادِ وَبَيْنَ هَذَا الْوَاحِدِ بَيِّنٌ، فَقَالَ الظُّلُمَاتُ كُلُّهَا إِذَا اعْتَبَرْتَهَا لَا تَجِدُ فِيهَا مَا يُسَاوِي النُّورَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ [الْأَنْعَامِ: 1] السَّبَبَ فِي تَوْحِيدِ النُّورِ وَجَمْعِ الظُّلُمَاتِ، وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَنَّ النُّورَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِوُجُودِ مُنَوِّرٍ وَمَحَلٍّ قَابِلٍ لِلِاسْتِنَارَةِ وَعَدَمِ الْحَائِلِ بَيْنَ النُّورِ وَالْمُسْتَنِيرِ. مِثَالُهُ الشَّمْسُ/ إِذَا طَلَعَتْ وَكَانَ هُنَاكَ مَوْضِعٌ قَابِلٌ لِلِاسْتِنَارَةِ وَهُوَ الَّذِي يُمْسِكُ الشُّعَاعَ، فَإِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ كُوَّةٌ يَدْخُلُ مِنْهَا الشُّعَاعُ إِذَا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ الْكُوَّةِ مَنْفَذٌ يَخْرُجُ مِنْهُ الشُّعَاعُ وَيَدْخُلُ بَيْتًا آخَرَ وَيَبْسُطُ الشُّعَاعَ عَلَى أَرْضِهِ يُرَى الْبَيْتُ الثَّانِي مُضِيئًا وَالْأَوَّلُ مُظْلِمًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَائِلٌ كَالْبَيْتِ الَّذِي لَا كُوَّةَ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يُضِيءُ، فَإِذَا حَصَلَتِ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ يَسْتَنِيرُ الْبَيْتُ وَإِلَّا فَلَا تَتَحَقَّقُ الظُّلْمَةُ بِفَقْدِ أَيِّ أَمْرٍ كَانَ مِنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ وَفِيهِ احْتِمَالُ مَعْنَيَيْنِ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بَيَانَ كَوْنِ الْكُفَّارِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَمَاعِهِمْ كَلَامَ النَّبِيِّ وَالْوَحْيِ النَّازِلِ عَلَيْهِ دُونَ حَالِ الْمَوْتَى فَإِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ الْمَوْتَى وَالنَّبِيَّ لَا يُسْمِعُ مَنْ مَاتَ وَقُبِرَ، فَالْمَوْتَى سَامِعُونَ مِنَ اللَّهِ وَالْكُفَّارُ كَالْمَوْتَى لَا يَسْمَعُونَ مِنَ النَّبِيِّ وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ تَسْلِيَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يُسْمِعُهُمْ قَالَ لَهُ هَؤُلَاءِ لَا يُسْمِعُهُمْ إِلَّا اللَّهُ، فَإِنَّهُ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَلَوْ كَانَ صَخْرَةً صَمَّاءَ، وَأَمَّا أَنْتَ فَلَا تُسْمِعُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، فَمَا عَلَيْكَ مِنْ حسابهم من شيء. ثم قال تعالى:

[سورة فاطر (35) : آية 23]
إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ (23)

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 26  صفحه : 233
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست